فصل: 50- فرق الإباضية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (نسخة منقحة)



.50- فرق الإباضية:

ومن الخوارج الإباضية.
1- الحفصية:
فالفرقة الأولى منهم يقال لهم الحفصية كان إمامهم حفص بن أبي المقدام.
زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده فمن عرف الله- سبحانه- ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرم الله- سبحانه- من فروج النساء فهو كافر بري من الشرك وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله- سبحانه- مما يؤكل ويشرب فهو كافر بري من الشرك ومن جهل الله- سبحانه- وأنكره فهو مشرك فبرئ منه جل الإباضية إلا من صدقه منهم وتأولوا في عثمان نحو ما تأولت الشيعة في أبي بكر وعمر وزعم أن عليًّا هو الحيران الذي ذكره الله في القرآن {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71] وأن أصحابه الذين يدعونه إلى الهدى أهل النهروان وزعم أن عليًّا هو الذي أنزل الله- سبحانه- فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204] وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذي أنزل الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] ثم قال بعد ذلك: الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله.
2- اليزيدية:
والفرقة الثانية منهم يسمون اليزيدية كان إمامهم يزيد بن أنيسة.
قالوا: نتولى المحكمة الأولى ونبرأ ممن كان بعد ذلك من أهل الأحداث ونتولى الإباضية كلها ويزعمون أنهم مسلمون كلهم إلا من بلغه قولنا فكذبه أو من خرج وخالفوا الحفصية في الإكفار والتشريك وقالوا بقول الجمهور.
وحكى يمان بن رباب أن أصحاب يزيد بن أنيسة قالوا بالتشريك وتولى يزيد المحكمة الأولى قبل نافع وبرئ ممن كان بعدهم وحرم القتال على كل أحد بعد تفريقهم وثبت على ولاية الإباضية إلا من كذبه أو بلغه قولع فرده.
وزعم أن الله- سبحانه- سيبعث رسولًا من العجم وينزل عليه كتابًا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها وزعم أن ملة ذلك النبي الصابئة وليس هذه الصابئة التي عليها الناس اليوم وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد.
وتولى من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب وأن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته وزعم أنهم بذلك مؤمنون.
فمن الإباضية من وقف فيه ومنهم من برئ منه وجلهم تبرأ منه.
3- الحارثية:
والفرقة الثالثة من الإباضية أصحاب حرث الإباضي.
قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الإباضية وزعموا أن الاستطاعة قبل الفعل.
وجمهور الإباضية يتولى المحكمة كلها إلا من خرج ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين حلال مناكحتهم وموارثتهم حلال غنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حرام ما وراء ذلك وحرام قتلهم وسبيهم في السر إلا من دعا إلى الشرك في دار التقية ودان به.
وزعموا أن الدار- يعنون دار مخالفيهم- دار توحيد إلا عسكر السلطان فإنه دار كفر يعني عندهم. وحكي عنهم أنهم أجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم وحرموا الاستعراض إذا خرجوا وحرموا دماء مخالفيهم حتى يدعوهم إلى دينهم.
فبرئت الخوارج منهم على ذلك وقالوا إن كل طاعة إيمان ودين وإن مرتكبي الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين.
4- القائلون بطاعة لا يراد الله بها:
والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب أبي الهذيل ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعًا لله إذا فعل شيئًا أمره الله به وإن لم يقصد الله بذلك الفعل ولا أراده به.
اختلافهم في النفاق:
ثم اختلفوا في النفاق فصاروا ثلاث فرق:
1- فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن النفاق براءة من الشرك واحتجوا في ذلك بقول الله-عز وجل-: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143].
2- والفرقة الثانية منهم يقولون: أن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد.
3- والفرقة الثالثة منهم يقولون: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان ولا نسمي غيرهم بالنفاق.
مذاهبهم في مسائل مختلفة:
وقالوا: من سرق خمسة دراهم فصاعدًا قطع وقال القوم الذين زعموا أن المنافق كافر وليس بمشرك أن المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر.
وقالوا: كل شيء أمر الله به عباده فهم عام ليس بخاص وقد أمر الله به الكافر والمؤمن.
وقال قوم منهم: لا حجة لله على الخلق في التوحيد إلا بالخبر أو ما يقوم مقام الخبر من إشارة وإيماء.
وقال بعضهم: لا يجوز على الله أن يخلي عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته وأجاز بعضهم أن يخليهم من ذلك.
وقال بعضهم فيمن دخل في دين المسلمين: وجبت عليه الشرائع والأحكام وقف على ذلك أو لم يقف سمعه أو لم يسمعه.
وقال بعضهم: لا يرسل الله نبيًا إلا نصب دليلًا عليه ولا بد من أن يدا واحدًا.
وقال بعضهم: قد يجوز أن يبعث الله نبيًا بلا دليل.
وقال بعضهم: من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حرمت وأن القبلة قد حولت فعليه أن يعلم أن الذي أخبره مؤمن أو كافر وعليه أن يعلم ذلك بالخبر وليس عليه أن يعلم أن ذلك عليه بالخبر.
وقال بعضهم: من قال بلسانه إن الله واحد وعنى به المسيح فهو صادق في قوله مشرك بقلبه.
وقال بعضهم: ليس على الناس المشي إلى الصلاة والركوب إلى الحج ولا شيء من أسباب الطاعات التي يتوصل بها إليها وإنما عليهم فعلها بعينها فقط.
وقالوا جميعًا: إن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل فإن تاب وإلا قتل كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله.
وقالوا: من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل.
وقال بعضهم: ليس من جحد الله وأنكره مشركًا حتى يجعل معه إلهًا غيره.
وقال بعضهم: ذلك شرك وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر.
وقالوا: الإصرار على أي ذنب كان كفر.
وقالوا: العالم يفنى كله إذا أفنى الله أهل التكليف ولا يجوز إلا ذلك لأنه إنما خلقه لهم فإذا أفناهم لم يكن لبقائه لهم معنىً.
وقال بعضهم بل جلهم: الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأن الاستطاعة هي التخلية.
وقال كثير منهم: ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنىً في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل وأن الاستطاعة لا تبقى وقتين وأن استطاعة كل شيء غير استطاعة ضده وأن الله كلف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه وأن قوة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وطبع وبلاء وشر وأن الله لو لطف للكافرين لآمنوا وأن عنده لطفًا لو فعله بهم لآمنوا طوعًا وأن الله لم ينظر لهم في حال خلقه إياهم ولا فعل بهم أصلح الأشياء لهم ولا فعل بهم صلاحًا في الدين وأنه أضلهم وطبع على قلوبهم وهذا قول يحيى بن كامل ومحمد بن حرب وإدريس الإباضي.
وكانوا يقولون في كثير من الإباضية: أن أعمال العباد مخلوقة وأن الله- سبحانه- لم يزل مريدًا لما علم أنه يكون أن يكون ولما علم أنه لا يكون أن لا يكون وأنه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن أحب ذلك ولكن بمعنى أنه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه وسنشرح قولهم في سائر أبواب القدر إذا أخبرنا عن مذاهب الناس في القدر.
وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن.
وقال جل الإباضية: قد يجوز أن يقع حكمان مختلفان في الشيء الواحد من وجهين فمن ذلك أن رجلًا لو دخل زرعًا بغير إذن صاحبه لكان الله- سبحانه- قد نهاه عن الخروج منه لأن فيه فساد الزرع وقد أمره به لأنه ليس له.
وقال جلهم بالخاطر ولا يجوز أن يخلي الله-عز وجل- العباد البالغين منه.
وقالوا: ليس يجوز على شيء من الأعراض البقاء إلا إذا كان بعضا للجسم عند من يقول أن الجسم أعراض مجتمعة وأكثرهم يقول أنه أبعاض للجسم.
وقالوا: جزاء الله في العباد أكثر من تفضله وعافيته أكثر من ابتلائه والثواب واجب بالاستحقاق والتفضل والابتلاء ابتداء.
وقال بعضهم بتحليل إلا شربة التي يسكر كثيرها إذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر وليس يتبعون المولي في الحرب إذا كان من أهل القبلة وكان موحدًا ولا يقتلون امرأة ولا ذرية ويرون قتل المشبهة وسبيهم وغنيمة أموالهم ويتبعون موليهم كما فعل أبو بكر بأهل الردة.
من ادعوا من السلف:
ويدعون من السلف جابر بن زيد وعكرمة ومجاهدا وعمرو بن دينار.
اختلافهم في بيع الإماء من مخالفيهم:
وكان رجل من الإباضية يقال له إبراهيم أفتى بأن بيع الإماء من مخالفيهم جائز فبرئ منه رجل يقال له ميمون وممن استحل ذلك ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فأفتوا بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية ويستتاب أهل الوقف من وقفهم في ولاية إبراهيم ومن أجاز ذلك وأن يستتاب ميمون من قوله وأن يبرءوا من امرأة كانت معهم وقفت فماتت قبل ورود الفتوى وأن يستتاب إبراهيم من عذره لأهل الوقف في جحدهم الولاية عنه وهو مسلم يظهر إسلامه وأن يستتاب أهل الوقف من جحدهم البراءة عن ميمون وهو كافر يظهر كفره فأما الذين وقفوا ولم يتوبوا من الوقف وثبتوا عليه فسموا الواقفة وبرئت الخوارج منهم وثبت إبراهيم على رأيه في التحليل لبيع الإماء من المخالفين وتاب ميمون.
قولهم في الإيمان والوعيد والأطفال:
والإباضية يقولون: إن جميع ما افترض الله- سبحانه- على خلقه إيمان وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها.
ووقف كثير من الإباضية في إيلام أطفال المشركين في الآخرة فجوزوا أن يؤلمهم الله- سبحانه- في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا أن يدخلهم الجنة تفضلًا ومنهم من قال إن الله- سبحانه- يؤلمهم على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز.
الاختلاف في أمر المرأة:
ثم رجع بنا القول إلى الإخبار عن الاختلاف في أمر المرأة:
فافترقت فرقة من الواقفة وهم الضحاكية فأجازوا أن يزوجوا المرأة المسلمة عندهم من كفار قومهم في دار التقية كما يسع الرجل منهم أن يتزوج المرأة الكافرة من قومه في دار التقية فأما في دار العلانية وقد جاز حكمهم فيها فإنهم لا يستحلون ذلك فيها.
ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا: لا نعطي هذه المرأة المتزوجة من كفار قومنا شيئًا من حقوق المسلمين ولا نصلي عليها إن ماتت ونقف فيها ومنهم من برئ منها.
الاختلاف في أصحاب الحدود:
واختلفوا في أصحاب الحدود: فمنهم من برئ منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف.
الاختلاف في أهل دار الكفر:
واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه ومنهم من قال: هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلامًا ونقف فيمن لم نعرف إسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضًا على اختلافهم وقالوا: الولاية تجمعنا فسموا أصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة أصحاب المرأة.
وصارت الواقفة فرقتين:
فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون إلى عبد الجبار بن سليمان وهم الذين يتبرءون من المرأة المناكحة من كفار قومهم.
خبر عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها:
وهذا خبر عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل أمها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الأطفال فاختلفا بعد أن كانا متفقين.
فأما عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة أن يمهرها أربعة آلاف درهم فأرسل الخاطب إلى أم الجارية مع امرأة يقال لها أم سعيد يسأل هل بلغت ابنتهم أم لا؟ وقال: إن كانت بلغت وأقرت بالإسلام لم أبال ما أمهرتها فلما بلغتها أم سعيد ذلك قالت: ابنتي مسلمة بلغت أم لم تبلغ ولا تحتاج أن تدعى إذا بلغت فرد مرة أخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع بتنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فأخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم أن يجب دعاؤها إذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى إلى الإسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال: لا بل نثبت على ولايتها فإن لم تدع لم تعرف الإسلام فبرئ بعضهم من بعض على ذلك.
البهيسية:
ومن الخوارج البيهسية أصحاب أبي بيهس:
ومما أحدث أنه زعم أن ميمونًا كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برئ ممن استحل ذلك وكفر أهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم- وأهل الثبت الواقفة- وكفر إبراهيم حين لم يتبرأ من أهل الوقف لوقفهم في أمرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك أن الوقف لا يسع على الأبدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعه أحد من المسلمين فإذا واقعه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك أن لا يعرف من أظهر الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودان به.
وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لأولياء الله- سبحانه- والبراءة من أعداء الله وما حرم الله- سبحانه- مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الإنسان إلا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغي أن يعرفه باسمه ولا يبالي أن لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه أن يقف عند ما لا يعلم ولا يأتي شيئًا إلا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة.
وقال غيره من الناس: قد يسلم الإنسان بعرفة وظيفة الدين وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله وإن لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئًا من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم أنه حرام فقد كفر ومن ترك شيئًا من كبير ما افترضه الله- سبحانه- عليه وهو لا يعلم فقد كفر فإن حضر أحد من أوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري أحلال أم حرام أو اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف أحلال ركب أم حرام فبرئت منه البيهسية.
العوفية:
ومن البيهسية فرقة يقال لهم: (العوفية) وهم فرقتان:
1- فرقة تقول: من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم.
2- وفرقة تقول: لا نبرأ منهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالًا لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون: إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد.
والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعًا يتولون أبا بيهس.
أصحاب شبيب النجراني (الشبيبية):
ومن البيهسية فرقة يقال لهم أصحاب شبيب النجراني يعرفون بأصحاب السؤال.
والذي أبدعوه أنهم زعموا أن الرجل يكون مسلمًا إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه وأقر بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله- سبحانه- عليه مما سوى ذلك أفرض هو أم لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل.
وفارقوا الواقفة وقالوا في أطفال المؤمنين بقول الثعلبية أنهم مؤمنون أطفالًا وبالغين حتى يكفروا وأن أطفال الكفار كفار أطفالًا وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية.
وقال بعض البيهسية: من واقع زنًا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية إلا أنهم قالوا: نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين.
وقالت طائفة من البيهسية: إذا كفر الإمام كفرت الرعية وقالت: الدار دار شرك وأهلها جميعًا مشركون وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف وذهبت إلى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلت القتل والسبي على كل حال.
وقالت البيهسية: الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكمًا مغلظًا ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز أن يكون أخفى أحكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك.
وقالوا: التائب في موضع الحدود وفي موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك إذا أقر من ذلك بشيء وهو كافر لأنه لا يحكم بشيء من الحدود والقصاص إلا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله.
وقال بعض البيهسية: السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة أو شتم الله- سبحانه- فهو موضوع لا حد فيه ولا حكم ولا يكفر أهله بشيء من ذلك ما داموا في سكرهم.
وقالوا إن الشراب حلال الأصل ولم يأت فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في إكثار أو في سكر.
أصحاب التفسير:
ومن البيهسية فرقة يسمون أصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من أهل الكوفة.
زعم أنه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم إلا بتفسير الشهادة كيف هي.
قال: ولو أن أربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو.
وهكذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم أصحاب التفسير.
العوفية:
وقالت العوفية من البيهسية: السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر حتى يأتي معه غيره كترك الصلاة وما أشبه ذلك لأنهم إنما يعلمون أن الشارب سكر إذا ضم إلى سكره غيره مما يدل على أنه سكران.
أصحاب صالح:
ومن الخوارج أصحاب صالح ولم يحدث صالح قولًا تفرد به ويقال أنه كان صفريًا.
الصفرية:
ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك وكل شرك عبادة للشيطان.
الفضلية:
وقالت الفضلية: لا يكفر عندنا ولا يعصي من قال بضرب من الحق الذي يكون من المسلمين وأراد به غير الله أو وجهه على غير ما يوجهه المسلمون عليه نحو قول القائل لا إله إلا الله يريد بها قول النصارى الذي لا إله إلا هو الذي له الولد والزوجة أو يريد صنمًا اتخذ إلهًا وكقول القائل: (محمد رسول الله) وهو يريد غيره ممن قال: هو حي قائم وما أشبه ذلك من القول كله واعتقاد القلب والتوجه إلى غير الله-عز وجل-.
وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قومًا من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنبًا عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه فإذا حد عليه فهو كافر إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود.
وحكى أن صنفًا من الخوارج تفردوا بقول أحدثوه وهو قطعهم الشهادة على أنفسهم ومن وافقهم أنهم من أهل الجنة من غير شرط ولا استثناء.
الحسينية:
وذكر أن صنفًا منهم يدعون الحسينية ورئيسهم رجل يعرف بأبي الحسين.
يرون أن الدار دار حرب وأنه لا يجوز الإقدام على من فيها إلا بعد المحنة ويقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة كما حكي عن نجدة ويقولون فيمن خالفهم أنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون.
الشمراخية:
وذكر اليمان أيضًا أن صاحب الشمراخية وهو عبد الله بن شمراخ كان يقول إن دماء قومه حرام في السر حلال في العلانية وأن قتل الأبوين حرام في دار التقية ودار الهجرة وإن كانا مخالفين والخوارج تبرأ منه.
العلماء باللغة:
ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج أبو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفريًا.
ومن شعرائهم: عمران بن حطان وهو صفري.
ومن مؤلفي كتبهم ومتكلميهم: عبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وهؤلاء إباضية واليمان بن رباب وكان ثعلبيًا ثم صار بيهسيًّا وسعيد بن هارون وكان فيما أظن إباضيًّا.
من ادعت الخوارج من السلف:
والخوارج تدعي من السلف الشعثاء جابر بن زيد وعكرمة وإسماعيل بن سميع وأبا هارون العبدي وهبيرة بن مريم.
رجال الخوارج الذين لم يذكر لهم خروج:
ومن رجال الخوارج ممن لم يذكر أنه خرج ولا له مذهب يعرف به صالح بن مسرح وداود وكانا يتلاقيان ويحدثان مسائل يقع لها الخلاف بين الخوارج ثم كانت لهما في آخر أيامهما خرجة ليست بالمشهورة ورباب السجستاني وهو الذي أوقع الخلاف بين الخوارج في قتيل وجد في عسكر حتى قال بعضهم إن حكم أهل العسكر حكم الكفار حتى يعلم أنه قتل بحق وقال بعضهم: بل هم مؤمنون حتى يعلم أنه قتل بغير حق وهارون الضعيف وقد حكي عنه إجازة تزويج نساء مخالفيه وأحل مخالفيه في هذا الباب محل أهل الكتاب.
الراجعة:
ومن الخوارج صنف يسمون الراجعة رجعوا عن صالح بن مسرح وبرئوا منه لأحكام حكم بها.
وذلك أن بعض طلائع صالح أتاه فأعلمه أن فارسًا على تل واقف ينظر إلى عسكره فوجه إليه رجلين من أصحابه فلما نظر إليهما الفارس ولى مدبرًا فلحقاه فطعنه أحدهما فصرعه ونزلا ليقتلاه فقال لهما: أنا رجل مسلم وأنا أخو ربعي بن حراش وكان ربعي بن حراش من رؤسائهم فكفا عنه وقالا له: هل يعرفك أحد في العسكر قال: نعم وسمى رجلين من أصحاب صالح يسمى أحدهما جبيرًا والآخر الوليد فصار الفرسان به إلى عسكر صالح فأخبراه بخبره فدعا صالح بن جبيرًا والوليد فسألهما عنه فقالا: نعرفه بالخبث والكفر ونعرف أنه أخو ربعي وقد أخبرنا ربعي بخبثه وعداوته للمسلمين فأمر صالح بضرب عنقه فقالت الراجعة: قتل رجلًا مسلمًا قد ادعى الإسلام فبرئوا بذلك من صالح.
ومنها: أنه أتاه رجل من طلائعه فأخبره أن فارسًا واقف على تل ينظر إلى العسكر بالليل فبعث أبا عمر ويزيد بن خارجة فلما نظر الفارس إليهما ولى مدبرًا فطعنه أحدهما وضربه الآخر بالسيف ثم أتيا به صالحًا فدفعه صالح إلى رجل من أصحابه وأوصاه به وقال: إذا كان بالغداة فأتنا به حتى نقف على جراحته وننظر أتصير إلى دية النفس أو إلى دية الأرش فذهب الرجل إلى منزله وأباته عنده فلما نام الرجل الذي من أصحاب صالح قام الأسير فهرب من الليل فبرئت الراجعة من صالح بذلك وقالوا: لم يبرأ من جراحته وقد ادعى أنه ذمي.
ومنها: أن رجلًا من أصحابه يقال له صخر قال لرجل منهم: هذا عدو الله فلم يستتبه صالح من ذلك. ومنها أنه احتبس من الغنائم فرسًا فكان أصحابه يقترعون إذا أرادوا ركوبه ويتنافسون في القتال عليه. فاختلف أصحابه عند هذه الأشياء فبرئت منه فرقة فسميت الراجعة وصوب أكثر الخوارج رأي صالح بن أبي صالح ووقف شبيب في صالح بن أبي صالح والراجعة وقال: لا ندري ما حكم به صالح كان حقًا أو باطلًا ويقال إن أكثر الراجعة عادوا إلى قول صالح ويصوبونه فيما صنع.
فأما بعض الإباضية فيذهب إلى أن الذين برئوا من صالح كفروا وأن من وقف في كفرهم كفر وأحسنوا الظن بشبيب وقالوا: لم يكن مثله يبرأ منه وقالوا: ويدل على ذلك أنه كان معه حتى قتل فهو عندهم على أصل إيمانه.
الشبيبية (مرجئة الخوارج):
ومنهم فرقة يسمون الشبيبية وذلك أن شبيبًا وقف في صالح وفي الراجعة فقالوا: لا ندري أحق ما حكم به صالح أم جور وحق ما شهدت به الراجعة أم جور فبرئت الخوارج منهم وسموهم مرجئة الخوارج. وكان شبيب أصاب أموالًا بجرجرايا فقسمها وبقيت رمكة ومنطقة وعمامة فقال لرجل من أصحابه: اركب هذه الدابة حتى نقسمها وقال لآخر: البس هذه العمامة والمنطقة حتى نقسمها فبلغ ذلك أصحابه فخرج إليه سالم بن أبي الجعد الأشجعي وابن دجاجة الحنفي فقال: يا معشر المسلمين استقسم هذا الرجل بالأزلام فقال شبيب: إنما كانت رمكة وأحببت أن يركبها صاحبها يومًا أو يومين حتى نقسمها فقالوا: لم أعطيت هذا منطقة وعمامة فلو استشهد وأخذ متاعه تب مما صنعت! فكره أن يخنع فقال: ما أرى موضع توبة فبرئوا منه فليس يتولاه خارجي فيما نعلم وهم يرجئون أمره ولا يكفرونه ولا يثبتون له الإيمان.